فصل: صور القتل العمد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


قتل خطأ

التّعريف

1 - القتل الخطأ مركّب من كلمتين هما‏:‏ قتل، وخطأ، وقد سبق تعريف كلّ منهما في مصطلحه‏.‏

والقتل الخطأ عند الفقهاء هو ما وقع دون قصد الفعل والشّخص، أو دون قصد أحدهما‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القتل العمد‏:‏

2 - القتل العمد هو قصد الفعل والشّخص بما يقتل قطعاً أو غالباً‏.‏

والفرق أنّ العمد يتوفّر فيه قصد الفعل والشّخص، بخلاف الخطأ‏.‏

ب - الجناية‏:‏

3 - الجناية في اللّغة‏:‏ الذّنب والجرم، وشرعاً‏:‏ اسم لفعل محرّم حلّ بمال أو نفس‏.‏ فالجناية أعمّ من القتل الخطأ‏.‏

ج - الإجهاض‏:‏

4 - يطلق الإجهاض في اللّغة على صورتين‏:‏ إلقاء الحمل ناقص الخلق، أو ناقص المدّة سواء من المرأة أو غيرها‏.‏

والإطلاق اللّغويّ يصدق على ذلك، سواء أكان الإلقاء بفعل فاعل أم تلقائيّاً‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة ‏"‏ إجهاض ‏"‏ عن هذا المعنى، وكثيراً ما يعبّرون عن الإجهاض بمرادفاته‏:‏ كالإسقاط والإلقاء والطّرح والإملاص‏.‏

والعلاقة أنّ الإجهاض جناية على الحمل وهو غير متيقّن الوجود والحياة، وأمّا القتل الخطأ فجناية على متيقّن الوجود والحياة‏.‏

د - القتل شبه العمد‏:‏

5 - القتل شبه العمد هو قصد الفعل والشّخص بما لا يقتل غالباً‏.‏

والعلاقة أنّ القتل شبه العمد فيه قصد بما لا يقتل غالباً، بخلاف القتل الخطأ‏.‏

هـ - القتل بسبب‏:‏

6 - القتل بسبب هو القتل نتيجة فعل لا يؤدّي مباشرةً إلى قتل‏.‏

والصّلة أنّ القتل الخطأ بفعل مباشر، والقتل بسبب بفعل غير مباشر‏.‏

أقسام القتل الخطأ

7 - قسّم الحنفيّة القتل الخطأ إلى قسمين‏:‏ الخطأ في الفعل، والخطأ في القصد، وذلك لأنّ الرّمي إلى شيء مثلاً يشتمل على فعل الجارحة وهو الرّمي وفعل القلب وهو القصد فإن اتّصل الخطأ بالأوّل فهو الخطأ في الفعل، وإن اتّصل بالثّاني فهو الخطأ في القصد‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ القتل الخطأ على أوجه‏:‏

الأوّل‏:‏ أن لا يقصد ضرباً، كرميه شيئاً أو حربيّاً فيصيب مسلماً، فهذا خطأ بإجماع‏.‏ الثّاني‏:‏ أن يقصد الضّرب على وجه اللّعب، فهو خطأ على قول ابن القاسم وروايته في المدوّنة، خلافاً لمطرّف وابن الماجشون‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ الخطأ نوعان‏:‏

الأوّل‏:‏ أن لا يقصد أصل الفعل‏.‏

والثّاني‏:‏ أن يقصده دون الشّخص‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ الخطأ على ضربين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يرمي الصّيد أو يفعل ما يجوز له فعله فيئول إلى إتلاف حرّ مسلماً كان أو كافراً‏.‏

والضّرب الثّاني‏:‏ أن يقتل في بلاد الرّوم من عنده أنّه كافر ويكون قد أسلم وكتم إسلامه إلى أن يقدر على التّخلّص إلى أرض الإسلام‏.‏

ما يترتّب على القتل الخطأ

يترتّب على القتل الخطأ ما يلي‏:‏

أ - وجوب الدّية والكفّارة‏:‏

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ من قتل مؤمناً خطأً فعليه الدّية والكفّارة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ ‏}‏‏.‏

ويجري هذا الحكم على الكافر المعاهد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً ‏}‏‏.‏

قال الماورديّ‏:‏ قدّم في قتل المسلم الكفّارة على الدّية وفي الكافر الدّية، لأنّ المسلم يرى تقديم حقّ اللّه تعالى على نفسه والكافر يرى تقديم حقّ نفسه على حقّ اللّه تعالى‏.‏

كما اتّفقوا على عدم وجوب شيء في قتل كافر لا عهد له‏.‏

ب - وجوب الكفّارة فقط‏:‏

9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المؤمن الّذي يقتل في بلاد الكفّار أو في حروبهم على أنّه من الكفّار فعلى قاتله الكفّارة فقط لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ‏}‏‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ لا يوجب قصاصاً لأنّه لم يقصد قتل مسلم، فأشبه ما لو ظنّه صيداً فبان آدميّاً، إلاّ أنّ هذا لا تجب فيه دية إنّما تجب الكفّارة، روي هذا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة والأوزاعيّ والثّوريّ وأبو ثور‏.‏

وفي قول عند المالكيّة ورواية عن أحمد أنّ فيه الدّية والكفّارة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ‏}‏‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا قتل إنساناً يظنّه على حال فكان بخلافه كما إذا قتل مسلماً ظنّ كفره، لأنّه رآه يعظّم آلهتهم، أو كان عليه زيّ الكفّار في دار الحرب، لا قصاص عليه جزماً للعذر الظّاهر، وكذا لا دية في الأظهر لأنّه أسقط حرمة نفسه بمقامه في دار الحرب الّتي هي دار الإباحة، ومقابل الأظهر تجب الدّية لأنّها تثبت مع الشّبهة‏.‏

أمّا الكفّارة فتجب جزماً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ‏}‏‏.‏

ج - الحرمان من الميراث‏:‏

10 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ القتل الخطأ سبب من أسباب الحرمان من الميراث، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «القاتل لا يرث»، ولأنّ القتل قطع الموالاة وهي سبب الإرث‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ من قتل مورّثه خطأً فإنّه يرث من المال ولا يرث من الدّية‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ القتل المضمون بقصاص أو دية أو كفّارة لا إرث فيه فإن كان غير مضمون، كمن قصد مولّيه ممّا له فعله من سقي دواء أو ربط جراحة فمات فيرثه، لأنّه ترتّب عن فعل مأذون فيه، وهذا ما ذهب إليه الموفّق‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ ولعلّه أصوب لموافقته للقواعد‏.‏

د - الحرمان من الوصيّة‏:‏

11 - اختلف الفقهاء في جواز الوصيّة للقاتل، ولا فرق بين القتل العمد والخطأ في هذا‏.‏ فذهب الشّافعيّة في الأظهر، وابن حامد من الحنابلة إلى جواز الوصيّة للقاتل، وبه قال أبو ثور وابن المنذر أيضاً لأنّ الهبة له تصحّ، فصحّت الوصيّة له كالذّمّيّ‏.‏

ويرى الحنفيّة وأبو بكر من الحنابلة عدم جواز الوصيّة له، لأنّ القتل يمنع الميراث الّذي هو آكد من الوصيّة، فالوصيّة أولى، ولأنّ الوصيّة أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه، وبه قال الثّوريّ أيضاً‏.‏

وفرّق أبو الخطّاب من الحنابلة بين الوصيّة بعد الجرح، والوصيّة قبله، فقال‏:‏ إن وصّى له بعد جرحه صحّ، وإن وصّى له قبله ثمّ طرأ القتل على الوصيّة أبطلها، وهو قول الحسن بن صالح أيضاً وهو المذهب‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ هذا قول حسن، لأنّ الوصيّة بعد الجرح صدرت من أهلها في محلّها، ولم يطرأ عليه ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدّمت، فإنّ القتل طرأ عليها فأبطلها، لأنّه يبطل ما هو آكد منها‏.‏

وقال المالكيّة إن علم الموصي بأنّ الموصى له هو الّذي ضربه عمداً أو خطأً صحّ الإيصاء منه، وتكون الوصيّة في الخطأ في المال والدّية، وفي العمد في المال فقط، فإن لم يعلم الموصي فتأويلان في صحّة إيصائه وعدمها‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

أنواع القتل الّتي حكمها حكم الخطأ

أ - عمد الصّبيّ والمجنون والمعتوه‏:‏

12 - جمهور الفقهاء على أنّ عمد الصّبيّ والمجنون والمعتوه كالخطأ في وجوب الدّية على العاقلة ولا قصاص فيه، لأنّهم ليسوا من أهل القصد الصّحيح‏.‏

والأصل في هذا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر، وعن المجنون حتّى يعقل أو يفيق»‏.‏

ولأنّ القصاص عقوبة مغلّظة، فلم تجب على الصّبيّ وزائل العقل كالحدود، ولأنّهم ليس لهم قصد صحيح، فهم كالقاتل خطأً‏.‏

وفرّق الشّافعيّة بين الصّبيّ المميّز وغير المميّز فقالوا‏:‏ إنّ عمد الصّبيّ المميّز عمد في الأظهر أمّا الصّبيّ غير المميّز فعمده خطأ باتّفاقهم، وأضافوا أنّ الصّبيّ مميّزاً كان أو غير مميّز لا قصاص عليه في القتل العمد، ولكنّ الأمر يختلف في الدّية فهي على العاقلة في الخطأ، وفي ماله إن اعتبر عمده عمداً‏.‏

ب - ما أجري مجرى الخطأ‏:‏

13 - ذكر الحنفيّة ومن معهم من الحنابلة قسماً آخر للقتل سمّوه ما أجري مجرى الخطأ، ويعتبر القتل الجاري مجرى الخطأ كالخطأ في الحكم، فمثل النّائم ينقلب على رجل فيقتله يكون حكمه حكم الخطأ في الشّرع، ولكنّه دون الخطأ حقيقةً، لأنّ النّائم ليس من أهل القصد أصلاً، فلا يوصف فعله بالعمد ولا بالخطأ، إلاّ أنّه في حكم الخطأ لحصول الموت بفعله كالخاطئ‏.‏

وتجب فيه الكفّارة لترك التّحرّز عن نومه في موضع يتوهّم أن يصير قاتلاً، والكفّارة في قتل الخطأ إنّما تجب لترك التّحرّز، وحرمان الميراث لمباشرته القتل، لأنّه يتوهّم أن يكون متناوماً، ولم يكن نائماً، قصداً منه إلى استعجال الإرث، أمّا الّذي سقط من سطح فوقع على إنسان فقتله، فمثل النّائم ينقلب على رجل فيقتله، لكونه قتلاً للمعصوم من غير قصد فكان جارياً مجرى الخطأ‏.‏

وألحق المالكيّة والشّافعيّة وأكثر الحنابلة هذه الصّور بالقتل الخطأ‏.‏

قَتْل شِبْهُ العَمْد

التّعريف

1 - قتل شبه العمد مركّب من‏:‏ قتل، وشبه، وعمد، وقد سبق تعريف كلّ منها في مصطلحاتها‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ عرّفه أبو حنيفة‏:‏ بأنّه تعمّد شخص ضرب آخر بما ليس بسلاح ولا ما جرى مجرى السّلاح‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة‏:‏ بأنّه قصد ضرب الشّخص عدواناً بما لا يقتل غالباً، كالسّوط والعصا‏.‏

ولم يعرّفه المالكيّة لأنّ القتل عندهم عمد وخطأ فقط‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القتل العمد‏:‏

2 - القتل العمد هو قصد الفعل والشّخص بما يقتل قطعاً أو غالباً‏.‏

والصّلة بين القتل العمد وشبه العمد أنّ الجاني في القتل العمد يستعمل آلةً تقتل غالباً كالسّيف بخلاف شبه العمد‏.‏

ب - القتل الخطأ‏:‏

3 - القتل الخطأ‏:‏ ما وقع دون قصد الفعل والشّخص، أو دون قصد أحدهما‏.‏

والصّلة أنّ القتل الخطأ لا يقصد فيه الفعل غالباً، وأمّا القتل شبه العمد فيقصد فيه الفعل ولا يقصد إزهاق الرّوح‏.‏

ج - القتل بسبب‏:‏

4 - القتل بسبب عند الحنفيّة هو القتل نتيجة فعل لا يؤدّي مباشرةً إلى قتل، كوضع حجر في غير ملكه وفنائه، فيعطب به إنسان ويقتل‏.‏

والصّلة بين القتل شبه العمد والقتل بسبب أنّ القتل شبه العمد قتل بفعل مباشر والقتل بسبب قتل بفعل غير مباشر‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - القتل شبه العمد حرام إن كان نتيجةً لضرب متعمّد عدواناً، والعدوان محرّم، لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ‏}‏‏.‏

أنواع القتل شبه العمد

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بالقتل شبه العمد، واستدلّوا على إثباته بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ألا وإنّ قتيل الخطأ شبه العمد بالسّوط والعصا والحجر مائة من الإبل» وفي رواية‏:‏ «عقل شبه العمد مغلّظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه»‏.‏

وقسّم الحنفيّة القتل شبه العمد إلى ثلاثة أنواع‏:‏

قال الكاسانيّ‏:‏ شبه العمد ثلاثة أنواع‏:‏

منها أن يقصد القتل بعصاً صغيرة أو بحجر صغير أو لطمة ونحو ذلك ممّا لا يكون الغالب فيها الهلاك، كالسّوط ونحوه إذا ضرب ضربةً أو ضربتين ولم يوال في الضّربات‏.‏

ومنها‏:‏ أن يضرب بالسّوط الصّغير ويوالي في الضّربات إلى أن يموت‏.‏

وهاتان الصّورتان متّفق عليهما بين فقهاء الحنفيّة‏.‏

ومنها‏:‏ ما قصد قتله بما يغلب فيه الهلاك ممّا ليس بجارح ولا طاعن، كمدقّة القصّارين، والحجر الكبير، والعصا الكبيرة ونحوها، فهو شبه عمد عند أبي حنيفة، وعمد عند الصّاحبين‏.‏

وقال جمهور فقهاء الشّافعيّة إنّ القتل شبه العمد يكون بقصد الفعل والشّخص بما لا يقتل غالباً‏.‏

وذكر الحنابلة صورتين للقتل شبه العمد‏:‏

الأولى‏:‏ أن يقصد ضربه عدواناً بما لا يقتل غالباً كخشبة صغيرة أو حجر صغير أو لكزة ونحوها‏.‏

والثّانية‏:‏ أن يقصد ضربه تأديباً ويسرف في الضّرب فيفضي إلى القتل‏.‏

7- وكما يكون القتل شبه العمد بالفعل يكون بالمنع، فإذا امتنع الجاني عن عمل معيّن فأدّى هذا إلى قتل المجنيّ عليه، فإن كان قصده القتل يعتبر هذا القتل عمداً، وإن لم يقصده يعتبر شبه عمد أو خطأً عند بعضهم، كمن حبس إنساناً ومنعه الطّعام أو الشّراب فمات، وقد اختلف الفقهاء في اعتباره عمداً وشبه عمد أو خطأً، فذهب أبو حنيفة إلى أنّ هذا لا يعتبر قتلاً، لا شبه عمد ولا خطأً، لأنّ الهلاك حصل بالجوع والعطش، ولا صنع لأحد في ذلك‏.‏

وعند الصّاحبين عليه الدّية، لأنّه لا بقاء للآدميّ إلاّ بالأكل والشّرب، فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش عليه يكون إهلاكاً له، فأشبه حفر البئر على قارعة الطّريق‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إلى أنّ هذا قتل عمد إذا مات في مدّة يموت مثله فيها غالباً، وهذا يختلف باختلاف النّاس والزّمان والأحوال، فإذا كان عطشاً في شدّة الحرّ، مات في الزّمن القليل، وإن كان ريّان والزّمن بارد أو معتدل لم يمت إلاّ في زمن طويل، فيعتبر هذا فيه، وإن كان لا يموت في مثلها غالباً فهو عمد الخطأ عند الحنابلة، وشبه عمد عند الشّافعيّة‏.‏

8- أمّا المالكيّة، فالمشهور عندهم أنّ القتل نوعان‏:‏ عمد وخطأ، لأنّه ليس في كتاب اللّه إلاّ العمد والخطأ، فمن زاد قسماً ثالثاً زاد على النّصّ، يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ‏}‏‏.‏

فلا واسطة بين العمد والخطأ، فالعمد عند مالك هو كلّ فعل تعمّده الإنسان بقصد العدوان، فأدّى للموت، أيّاً كانت الآلة المستعملة في القتل، أمّا إذا كان موت المجنيّ عليه نتيجة فعل على وجه اللّعب والتّأديب فهو قتل خطأ‏.‏

وفي غير المشهور يقول ابن وهب من المالكيّة بثبوت شبه العمد، رواه ابن حبيب عنه، وعن ابن شهاب، وربيعة، وأبي الزّناد، وحكاه العراقيّون عن مالك، وصورته عند ابن وهب أنّه ما كان بعصاً أو وكزة أو لطمة، فإن كان على وجه الغضب ففيه القود، وإن كان على وجه اللّعب ففيه دية مغلّظة وهو شبه العمد‏.‏

ويرى العراقيّون من المالكيّة أنّ الضّرب في الصّورة السّابقة إن كان على وجه الغضب فهو شبه عمد، لأنّه قصد الضّرب على وجه الغضب‏.‏

ما يجب في القتل شبه العمد

9 - يجب على الجاني في القتل شبه العمد الدّية والكفّارة والحرمان من الميراث، ويلحقه الإثم نتيجة جنايته، وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

أ - الدّية‏:‏

10 - الدّية في شبه العمد تكون مغلّظةً، وتجب على عاقلة الجاني عند الجمهور القائلين بشبه العمد، ولا يشترك فيها الجاني عند الشّافعيّة والحنابلة، ويشترك فيها عند الحنفيّة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 15 - 16‏)‏‏.‏

واختلف الفقهاء في كيفيّة تغليظ الدّية، وما يكون فيه التّغليظ على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 16‏)‏، ومصطلح‏:‏ ‏(‏تغليظ فقرة 4‏)‏‏.‏

ب - الكفّارة‏:‏

11 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة والكرخيّ من الحنفيّة إلى وجوب الكفّارة في القتل شبه العمد‏.‏

وقال الحنفيّة عدا الكرخيّ‏:‏ لا تجب الكفّارة في القتل شبه العمد المحض، لأنّ هذه جناية مغلّظة والمؤاخذة فيها ثابتة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏كفّارة‏)‏‏.‏

ج - الحرمان من الميراث في القتل شبه العمد‏:‏

12 - القتل شبه العمد مانع من الميراث لعموم النّصوص الواردة في ذلك‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث ف 18‏)‏‏.‏

قَتل عَمْد

التّعريف

1 - القتل العمد مركّب من كلمتين هما‏:‏ ‏"‏ القتل والعمد ‏"‏، وسبق تعريف كلّ منهما في مصطلحه‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في تعريف القتل العمد، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّ القتل العمد‏:‏ هو قصد الفعل والشّخص بما يقتل قطعاً أو غالباً‏.‏ وعند أبي حنيفة القتل العمد‏:‏ هو أن يتعمّد ضرب المقتول في أيّ موضع من جسده بآلة تفرّق الأجزاء كالسّيف، واللّيطة، والمروة والنّار، لأنّ العمد فعل القلب، لأنّه القصد، ولا يوقف عليه إلاّ بدليله، وهو مباشرة الآلة الموجبة للقتل عادةً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجناية‏:‏

2 - الجناية في اللّغة الذّنب والجرم‏.‏

وشرعاً‏:‏ اسم لفعل محرّم حلّ بمال أو نفس، وقيل‏:‏ كلّ فعل محظور يتضمّن ضرراً على النّفس أو غيرها، إلاّ أنّ الفقهاء خصّصوا لفظ الجناية بما حلّ بنفس أو أطراف، والغصب والسّرقة بما حلّ بمال‏.‏

والعلاقة بين الجناية والقتل العمد، أنّ القتل تتحقّق به الحناية لأنّه فعل محظور يحلّ بالنّفس، وأنّ كلّ قتل جناية ولا عكس‏.‏

ب - الجراح‏:‏

3 - الجراح لغةً جمع جرح، وهو من الجَرح بفتح الجيم، يقال‏:‏ جرحه إذا أثّر فيه بالسّلاح‏.‏

والجُرح - بضمّ الجيم - الاسم‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للجراح عن معناها اللّغويّ‏.‏

والصّلة بين القتل العمد والجراح عموم وخصوص وجهيّ‏.‏

ج - القتل الخطأ‏:‏

4 - القتل الخطأ‏:‏ ما وقع دون قصد الفعل والشّخص أو دون قصد أحدهما‏.‏

والعلاقة الضّدية في القصد‏.‏

د - القتل شبه العمد‏:‏

5 - القتل شبه العمد‏:‏ قصد الفعل والشّخص بما لا يقتل غالباً‏.‏

وقال أبو حنيفة إنّ شبه العمد أن يتعمّد الضّرب بما لا يفرّق الأجزاء كالحجر، والعصا، واليد‏.‏

ويفرّق بين القتل العمد والقتل شبه العمد بأداة القتل‏.‏

الحكم التّكليفيّ

6 - أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حقّ، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ‏}‏ ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّي رسول اللّه إلاّ بإحدى ثلاث‏:‏ النّفس بالنّفس، والثّيّب الزّاني، والمفارق لدينه التّارك للجماعة»‏.‏

صور القتل العمد

الصّورة الأولى‏:‏ الضّرب بمحدّد

7 - إذا ضرب شخص آخر بمحدّد وهو ما يقطع ويدخل في البدن، كالسّيف، والسّكّين، والسّنان، وما في معناه ممّا يحدّد فيجرح من الحديد، والنّحاس، والرّصاص، والذّهب، والفضّة، والزّجاج، والحجر، والقصب، والخشب، وأمثالها، فجرح به جرحاً كبيراً فمات فلا خلاف بين العلماء في أنّه قتل عمد‏.‏

وأمّا إذا جرحه جرحاً صغيراً كشرطة الحجّام، أو غرزه بإبرة‏:‏ فإن كان في مقتل كالعين، والفؤاد، وأصل الأذن، فمات فهو عمد أيضاً، لأنّ الإصابة بذلك في المقتل كالجرح بالسّكّين في غير المقتل عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وإن كان في غير مقتل، فقال الحنفيّة في المذهب‏:‏ إنّه لا قصاص فيه، وفي رواية أنّ فيه القصاص‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن غرز إبرةً في غير مقتل فتورّم وتألّم حتّى مات فعمد، لحصول الهلاك به، وإن لم يوجد أثر فمات في الحال فشبه عمد في الأصحّ، لأنّه لا يقتل غالباً، فأشبه الضّرب بالسّوط الخفيف، وقيل‏:‏ هو عمد، لأنّ في البدن مقاتل خفيّةً وموته حالاً يشعر بإصابة بعضها، وقيل‏:‏ لا شيء، إحالةً للموت على سبب آخر‏.‏

أمّا إذا تأخّر الموت عن الغرز فلا ضمان قطعاً كما قاله الماورديّ وغيره‏.‏

وهذا كلّه في بدن المعتدل، أمّا الشّيخ والصّغير ونضو الخلقة، ففيه القصاص‏.‏

ولو غرزها فيما لا يؤلم، كجلدة عقب ولم يبالغ في إدخالها فمات، فلا شيء سواء أمات في الحال أم بعده، للعلم بأنّه لم يمت منه، أمّا إذا بالغ فيجب القود‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن كان قد بالغ في إدخالها في البدن فهو كالجرح الكبير، لأنّ هذا يشتدّ ألمه، ويفضي إلى القتل كالكبير، وإن كان الغور يسيراً، أو جرحه بالكبير جرحاً لطيفاً كشرطة الحجّام فما دونها فصرّح الحنابلة بأنّه إن بقي من ذلك زمناً حتّى مات ففيه القود، لأنّ الظّاهر أنّه مات منه، وإن مات في الحال ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ وهو ظاهر كلام الخرقيّ من الحنابلة أنّ فيه القصاص، لأنّ المحدّد لا يعتبر فيه غلبة الظّنّ في حصول القتل به، ولأنّ في البدن مقاتل خفيّةً وهذا له سراية، فأشبه الجرح الكبير‏.‏

والثّاني‏:‏ لا قصاص فيه، وهو قول ابن حامد، لأنّ الظّاهر أنّه لم يمت منه‏.‏

الصّورة الثّانية‏:‏ القتل بغير المحدّد ممّا يغلب على الظّنّ

حصول الزّهوق به عند استعماله‏:‏

8 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة إلى أنّه عمد موجب للقصاص‏.‏

وبه قال النّخعيّ، والزّهريّ، وابن سيرين، وحمّاد، وعمرو بن دينار، وابن أبي ليلى، وإسحاق‏.‏

واستدلّوا بما روى أنس رضي الله عنه‏:‏ «أنّ يهوديّاً قتل جاريةً على أوضاح لها بحجر، فقتله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين حجرين»‏.‏

وقال أبو حنيفة لا قود في ذلك إلاّ أن يكون قتله بالنّار، وحجّته قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ألا إنّ قتيل العمد الخطأ بالسّوط والعصا شبه العمد فيه مائة من الإبل» فسمّاه عمد الخطأ، وأوجب فيه الدّية دون القصاص، ولأنّ العمد لا يمكن اعتباره بنفسه، فيجب ضبطه بمظنّته، ولا يمكن ضبطه بما يقتل غالباً لحصول العمد بدونه في الجرح الصّغير، فوجب ضبطه بالجرح، وبه قال الحسن، وروي ذلك عن الشّعبيّ أيضاً‏.‏

وقال ابن المسيّب، وعطاء، وطاووس‏:‏ العمد ما كان بالسّلاح‏.‏

وعن أبي حنيفة في مثقّل الحديد روايتان‏:‏ المذهب أنّ فيه القود‏.‏

9 - ومن الضّرب بغير محدّد‏:‏ الضّرب بمثقّل كبير يقتل مثله غالباً عند جمهور الفقهاء سواء كان من حديد كالسّندان والمطرقة، أو حجر ثقيل، أو خشبة كبيرة، وحدّ الخرقيّ من الحنابلة الخشبة الكبيرة بما فوق عمود الفسطاط‏:‏ يعني العمد الّتي يتّخذها الأعراب لبيوتهم، وفيها دقّة، وأمّا عمد الخيام فكبيرة تقتل غالباً فلم يردها الخرقيّ‏.‏

وإنّما حدّ الموجب للقصاص بما فوق عمود الفسطاط، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا سئل عن المرأة الّتي ضربت ضرّتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها «قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرّة، وقضى بالدّية على عاقلتها»، والعاقلة لا تحمل العمد، فدلّ على أنّ القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد، وإن كان أعظم منه فهو عمد، لأنّه يقتل غالباً‏.‏ ومن هذا النّوع أيضاً أن يلقي عليه حائطاً أو صخرةً، أو خشبةً عظيمةً أو ما أشبه ذلك ممّا يهلكه غالباً، ففيه القود، لأنّه يقتل غالباً‏.‏

10 - وإن ضربه بمثقّل صغير كالعصا والسّوط، والحجر الصّغير، أو لكزه بيده في مقتل، أو في حال ضعف من المضروب لمرض أو صغر، أو في زمن مفرط الحرّ أو البرد بحيث تقتله تلك الضّربة، أو كرّر الضّرب حتّى قتله بما يقتل غالباً، ففيه القود، لأنّه قتله بما يقتل مثله غالباً فأشبه الضّرب بمثقّل كبير، وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏

الصّورة الثّالثة‏:‏ القتل بالخنق

11 - أن يجعل في عنقه خراطةً، ثمّ يعلّقه في خشبة أو شيء بحيث يرتفع عن الأرض فيختنق ويموت، فهذا عمد سواء مات في الحال أو بقي زمناً، لأنّ هذا أوحى أنواع الخنق، وكذا أن يخنقه وهو على الأرض بيديه أو بمنديل أو بحبل، أو شيء يضعه على فمه وأنفه، أو يضع يديه عليهما فيموت، فهذا إن فعل به ذلك مدّةً يموت في مثلها غالباً فمات فهو عمد فيه القصاص، وبه قال عمر بن عبد العزيز والنّخعيّ، وهذا عند جمهور الفقهاء خلافاً لأبي حنيفة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏خنق ف 3‏)‏‏.‏

الصّورة الرّابعة‏:‏ أن يلقيه في مهلكة

وذلك على أربعة أضرب‏:‏

الضّرب الأوّل‏:‏

12 - أن يلقيه من شاهق كرأس جبل، أو حائط عال يهلك به غالباً فيموت، فهو عمد، وهذا عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة‏.‏

الضّرب الثّاني‏:‏

13 - أن يلقيه في نار أو ماء يغرق، ولا يمكنه التّخلّص منه، إمّا لكثرة الماء أو النّار، وإمّا لعجزه عن التّخلّص لمرض أو صغر، أو كونه مربوطاً، أو منعه من الخروج، أو كونه في حفيرة لا يقدر على الصّعود منها، ونحو هذا، فهذا كلّه عمد، لأنّه يقتل غالباً، وعلى ذلك لو ألقاه في ماء يسير يقدر على الخروج بأدنى حركة فلم يخرج حتّى مات فلا قود فيه ولا دية، لأنّ هذا الفعل لم يقتله، وإنّما حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه، فلم يضمنه غيره، وكذلك النّار إذا كان يمكنه التّخلّص منها لقلّتها‏.‏

الضّرب الثّالث‏:‏

14 - أن يجمع بينه وبين أسد أو نمر في مكان ضيّق كذبية ونحوها فيقتله، فهذا أيضاً عمد فيه القصاص إذا فعل السّبع به فعلاً يقتل مثله، وإن فعل به فعلاً لو فعله الآدميّ لم يكن عمداً لم يجب القصاص به، لأنّ السّبع صار آلةً للآدميّ فكان فعله كفعله‏.‏

وإن ألقاه مكتوفاً بين يدي الأسد أو النّمر في فضاء فأكله فعليه القود، وكذلك إن جمع بينه وبين حيّة في مكان ضيّق فنهشته، فقتلته، فعليه القود، لأنّ هذا يقتل غالباً فكان عمداً محضاً كسائر الصّور، وهذا عند جمهور الفقهاء خلافاً لأبي حنيفة‏.‏

الضّرب الرّابع‏:‏

15 - أن يحبسه في مكان ويمنعه الطّعام والشّراب مدّةً لا يبقى فيها حتّى يموت، فعليه القود، لأنّ هذا يقتل غالباً، وهذا يختلف باختلاف النّاس والزّمان والأحوال، فإذا كان عطشان في شدّة الحرّ، مات في الزّمن القليل، وإن كان ريّان، والزّمن بارد أو معتدل لم يمت إلاّ في زمن طويل، فيعتبر هذا فيه، وإن كان في مدّة يموت في مثلها غالباً ففيه القود‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ترك ف 13‏)‏‏.‏

الصّورة الخامسة‏:‏ القتل بالسّمّ

16 - إذا قدّم طعاماً مسموماً لصبيّ غير مميّز أو مجنون فمات، ففيه القود باتّفاق الفقهاء‏.‏

فإن قدّمه لبالغ عاقل ففيه خلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏سمّ ف 7‏)‏‏.‏

الصّورة السّادسة‏:‏ القتل بالسّحر

17 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من قتل غيره بسحر يقتل غالباً يلزمه القود، لأنّه قتله بما يقتل غالباً، فأشبه ما لو قتله بسكّين، وإن كان ممّا لا يقتل غالباً ففيه الدّية، وهذا في الجملة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏سحر ف 16‏)‏‏.‏

الصّورة السّابعة‏:‏ القتل بسبب

18 - القتل بسبب قد يدخل تحت القتل العمد في بعض أحواله ويكون فيه القصاص، كأن يكره رجلاً على قتل آخر إكراهاً ملجئاً، أو يشهد رجلان على رجل بما يوجب قتله ويعترفا بكذبهما في الشّهادة‏.‏

أو يحكم حاكم على رجل بالقتل بالشّهادة الكاذبة وكان عالماً بذلك متعمّداً‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قتل بسبب ف 6 و 7‏)‏‏.‏

ما يترتّب على القتل العمد العدوان

إذا تحقّق القتل العمد العدوان فيترتّب عليه ما يلي‏:‏

أ - القصاص‏:‏

19 - إذا كان المقتول حرّاً، مسلماً، مكافئاً للقاتل، فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه موجب للقود، قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم بينهم في وجوب القصاص بالقتل العمد العدوان إذا اجتمعت شروطه خلافاً، وقد دلّت عليه الآيات والأخبار بعمومها قال تعالى‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى ‏}‏‏.‏

إلاّ أنّه يقيّد القتل بوصف العمديّة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «العمد قود، إلاّ أن يعفو وليّ المقتول» وفي لفظ‏:‏ «من قتل عمداً فهو قود»‏.‏

ولأنّ الجناية بالعمديّة تتكامل، وحكمة الزّجر عليها تتوفّر، والعقوبة المتناهية لا شرع لها بدون العمديّة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

ب - الدّية‏:‏

20 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الدّية ليست عقوبةً أصليّةً للقتل العمد، وإنّما تجب بالصّلح برضا الجاني، والمعتمد عند الشّافعيّة أنّها بدل عن القصاص ولو بغير رضا الجاني، فإذا سقط القصاص وجبت الدّية‏.‏

وذهب الحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة إلى أنّ الدّية عقوبة أصليّة بجانب القصاص في القتل العمد، فالواجب عندهم أحد شيئين‏:‏ القود أو الدّية، فيخيّر الوليّ بينهما ولو لم يرض الجاني‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ديات ف 17‏)‏‏.‏

ج - الكفّارة‏:‏

21 - ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وجوب الكفّارة في القتل العمد، سواء وجب فيه القصاص أو لم يجب، لأنّ القتل العمد كبيرة محضة، وفي الكفّارة معنى العبادة، فلا يناط بها‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى وجوب الكفّارة، لأنّ الحاجة إلى التّكفير في العمد أمسّ منها إليه في الخطأ، فكان أدعى إلى إيجابها‏.‏

د - الحرمان من الوصيّة‏:‏

22 - اختلف الفقهاء في جواز الوصيّة للقاتل وعدم جوازها على أقوال‏:‏

ذهب المالكيّة والشّافعيّة في الأظهر وابن حامد من الحنابلة إلى جواز الوصيّة للقاتل وهذا قول أبي ثور وابن المنذر، لأنّ الهبة له تصحّ، فصحّت الوصيّة له كالذّمّيّ‏.‏

وذهب الحنفيّة وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة وأبو بكر من الحنابلة إلى عدم جواز الوصيّة له، وبه قال الثّوريّ أيضاً، لأنّ القتل يمنع الميراث الّذي هو آكد من الوصيّة، فالوصيّة أولى، ولأنّ الوصيّة أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

هـ - الحرمان من الميراث‏:‏

23 - اتّفق الفقهاء على أنّ القتل الّذي يتعلّق به القصاص يمنع القاتل البالغ العاقل من الميراث إذا كان القتل مباشراً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث ف 17‏)‏‏.‏

و - الإثم في الآخرة‏:‏

24 - انعقد الإجماع على التّأثيم في القتل العمد العدوان، والدّليل على ذلك الكتاب والسّنّة‏.‏ أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ‏}‏‏.‏

وأمّا السّنّة فقوله عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع‏:‏ «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا»‏.‏

وما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال‏:‏ «لزوال الدّنيا أهون على اللّه من قتل مؤمن بغير حقّ»‏.‏

وغير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الباب‏.‏

ولأنّ حرمته أشدّ من إجراء كلمة الكفر لجوازه لمكره بخلاف القتل‏.‏

قِداح

انظر‏:‏ أزلام، ميسر‏.‏

قَدَح

انظر‏:‏ مقادير‏.‏

قَدْر

التّعريف

1 - قدر الشّيء في اللّغة مبلغه، وهو أن يكون مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ التّساوي في المعيار الشّرعيّ الموجب للمماثلة صورةً وهو الكيل والوزن، قال الرّاغب‏:‏ القدر والتّقدير تبيين كميّة الشّيء، وقوله صلى الله عليه وسلم في الهلال‏:‏ «فإن غمّ عليكم فاقدروا له» أي قدّروا عدد الشّهر حتّى تكملوا ثلاثين يوماً‏.‏

ما يتعلّق بالقدر من أحكام

أ - القدر المعفوّ عنه من النّجاسة‏:‏

2 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ قدر الدّرهم وما دونه من النّجاسة المغلّظة كالدّم والبول والخمر ونحوها معفوّ عنه، وجازت الصّلاة معه‏.‏

وفرّق المالكيّة بين الدّم وما معه من قيح وصديد وسائر النّجاسات، فيقولون بالعفو عن قدر درهم من دم وقيح وصديد، لأنّ الإنسان لا يخلو عنه‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقالوا بالعفو عن اليسير من الدّم والقيح ونحوهما ممّا يعسر الاحتراز عنه‏.‏ وصرّح الحنابلة بأنّه لا يعفى عن يسير النّجاسة ولو لم يدركها الطّرف، وإنّما يعفى عن يسير الدّم وما يتولّد منه من القيح والصّديد‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عفو ف 7‏)‏‏.‏

ب - قدر النّصاب في الزّكاة وقدر الواجب فيها‏:‏

3 - يختلف قدر النّصاب في أنواع الأموال الّتي تجب فيها الزّكاة كنصاب زكاة الأنعام، ففي الإبل إذا بلغت خمساً شاة وفي البقر إذا بلغت ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي الغنم إذا بلغت أربعين شاة‏.‏

وفي زكاة الذّهب إذا بلغ النّصاب عشرين مثقالاً والفضّة مائتي درهم فالمقدار الواجب فيهما ربع العشر، وعروض التّجارة تقوّم ثمّ تعامل معاملة الذّهب والفضّة‏.‏

وفي زكاة الزّروع والثّمار إذا بلغت خمسة أوسق فيها العشر إن سقيت بغير كلفة ونصف العشر إن سقيت بكلفة‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة ف 44، 51، 57، 72، 87، 115‏)‏‏.‏

ج - القدر من العلل الرّبويّة‏:‏

4 - اتّفق الفقهاء على ثبوت الرّبا في الأشياء السّتّة المنصوص عليها في حديث‏:‏ «الذّهب بالذّهب مثلاً بمثل، والفضّة بالفضّة مثلاً بمثل، والتّمر بالتّمر مثلاً بمثل، والبرّ بالبرّ مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشّعير بالشّعير مثلاً بمثل‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

كما اتّفق فقهاء الأمصار على أنّ حكم الرّبا غير مقصور على الأشياء السّتّة وأنّ فيها معنىً ويتعدّى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الأموال‏.‏

واتّفقوا على أنّ علّة الذّهب والفضّة واحدة، وعلّة الأعيان الأربعة واحدة، ثمّ اختلفوا في تلك العلّة‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ العلّة هي الجنسيّة والقدر، عرفت الجنسيّة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «التّمر بالتّمر، والحنطة بالحنطة» وعرف القدر بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مثلاً بمثل» ويعني بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن، فقد بيّن أنّ العلّة هي الكيل والوزن‏.‏

وروي عن عبادة وأنس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعاً واحداً، وما كيل فمثل ذلك، فإذا اختلف النّوعان فلا بأس به»، وجه التّمسّك به أنّه عليه الصلاة والسلام رتّب الحكم على الجنس والقدر، وهذا نصّ على أنّهما علّة الحكم، لما عرف أنّ ترتّب الحكم على الاسم المشتقّ ينبئ عن علّيّة مأخذ الاشتقاق لذلك الحكم، فيكون تقديره‏:‏ المكيل والموزون مثلاً بمثل بسبب الكيل أو الوزن مع الجنس، والّذي يدلّ عليه حديث أبي سعيد وأبي هريرة‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال‏:‏ أكلّ تمر خيبر هكذا ‏؟‏ فقال إنّا نأخذ الصّاع من هذا بالصّاعين والصّاعين بالثّلاثة، فقال‏:‏ فلا تفعل، بع الجمع بالدّراهم ثمّ ابتع بالدّراهم جنيباً، وقال‏:‏ في الميزان مثل ذلك» أي في الموزون، إذ نفس الميزان ليس من أموال الرّبا، وهو أقوى حجّةً في علّيّة القدر، وهو بعمومه يتناول الموزون كلّه الثّمن والمطعوم وغيرهما‏.‏

هذا ولمعرفة أقوال بقيّة الفقهاء في علّة تحريم الرّبا ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ربا ف 21 - 25‏)‏‏.‏

قُدْرَة

التّعريف

1 - القدرة في اللّغة‏:‏ اسم من قَدَرت على الشّيء أقدر - من باب ضرب - قويت عليه وتمكّنت منه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هي الصّفة الّتي تمكّن الحيّ من الفعل وتركه بالإرادة‏.‏

قال الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكّن من فعل شيء ما، وإذا وصف اللّه تعالى بها فهي نفي العجز عنه، ومحال أن يوصف غير اللّه تعالى بالقدرة المطلقة معنىً، وإن أطلق عليه لفظاً‏.‏

القدرة شرط التّكليف

2 - يقول الأصوليّون‏:‏ جواز التّكليف مبنيّ على القدرة الّتي يوجد بها الفعل المأمور به، وهذا شرط في أداء كلّ أمر، والأصل في ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ‏}‏ أي طاقتها وقدرتها‏.‏

ويقول الجصّاص‏:‏ نصّ التّنزيل قد أسقط التّكليف عمّن لا يقدر على الفعل ولا يطيقه، من ذلك سقوط الفرض عن المكلّفين فيما لا تتّسع له قواهم، لأنّ الوسع هو دون الطّاقة، وأنّه ليس عليهم استفراغ الجهد في أداء الفرض، نحو الشّيخ الكبير الّذي يشقّ عليه الصّوم ويؤدّي إلى ضرر يلحقه في جسمه وإن لم يخش الموت بفعله، فليس عليه صومه، لأنّ اللّه لم يكلّفه إلاّ ما يتّسع لفعله‏.‏

وقد قسّم الحنفيّة القدرة إلى قدرة ممكنة، وهي مفسّرة بسلامة الآلات وصحّة الأسباب، وإلى قدرة ميسّرة، وهي الّتي يقدر بها الإنسان على الفعل مع يسر‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏استطاعة ف 10‏)‏ والملحق الأصوليّ‏.‏

ما تتحقّق به القدرة

يختلف ما تتحقّق به القدرة باختلاف التّصرّفات، سواء أكان ذلك في العبادات أم في المعاملات‏.‏

القدرة في العبادات

أوّلاً‏:‏ القدرة على الطّهارة المائيّة

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الطّهارة بالماء للوضوء أو الغسل تتحقّق بما يأتي‏:‏

أ - وجود الماء الكافي للطّهارة والفائض عن الحاجة الضّروريّة، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً ‏}‏‏.‏

ب - إمكان استعمال الماء بنفسه على وجه لا يضرّه، أو استعماله بمساعد ولو بأجر، لأنّ العاجز عن استعمال الماء بنفسه إذا وجد من يوضّئه بأجرة المثل يعتبر قادراً بقدرة الغير‏.‏ فإذا لم يتحقّق وجود الماء أو إمكان الاستعمال، فلا يعتبر الشّخص قادراً، وينتقل من الطّهارة المائيّة إلى التّيمّم‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تيمّم ف 21 وما بعدها‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ القدرة على أداء أركان الصّلاة

4 - ذهب الفقهاء إلى أنّه تتحقّق القدرة على أداء الصّلاة بسلامة أعضاء البدن الّتي يتمكّن بها المصلّي من الإتيان بالأركان على الوجه الأكمل الّذي بيّنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي»‏.‏

وإذا عجزت أعضاء البدن عن الإتيان بها على الوجه الأكمل، فإنّ المسلم يعتبر قادراً بما يمكنه الإتيان به ولو بإيماءة برأسه، فيجب عليه الإتيان بذلك لقدرته عليه، لأنّ الصّلاة من العبادات الّتي لا تسقط عن المكلّف إلاّ لمانع شرعيّ، كالحيض والجنون المطبق‏.‏ والأصل في ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين‏:‏ «صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب» وفي رواية‏:‏ «فإن لم تستطع فمستلقياً، لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها»‏.‏

ثالثاً‏:‏ القدرة على أداء الزّكاة

5 - ذهب مالك والشّافعيّ إلى أنّ القدرة على الأداء شرط لوجوب أداء الزّكاة على الفور، وتتحقّق هذه القدرة بحضور المال وحضور المستحقّين أو حضور الإمام أو السّاعي، لأنّ الزّكاة عبادة، فيشترط لوجوبها إمكان أدائها، كالصّلاة والصّوم‏.‏

وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ القدرة على الأداء ليست شرطاً لوجوبها، لأنّ الزّكاة عبادة ماليّة فيثبت وجوبها في الذّمّة مع عدم إمكان الأداء، كثبوت الدّيون في ذمّة المفلس‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة ف 14 وما بعدها‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ القدرة على أداء الحجّ

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ من شروط وجوب الحجّ الاستطاعة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ‏}‏‏.‏

وذهب الفقهاء إلى أنّ الاستطاعة، أي القدرة تتحقّق بما يأتي‏:‏

أ - وجود الزّاد والرّاحلة، وهو وجود المال الّذي يكفي النّفقة ذهاباً وإياباً‏.‏

ب - سلامة البدن من الأمراض والعاهات الّتي تعوق عن الحجّ، ويعتبر العاجز بنفسه قادراً بقدرة غيره، كالأعمى الّذي يجد من يقوده، والمقعد الّذي يجد من يحجّ عنه‏.‏

ج - أمن الطّريق وذلك بأن يكون الإنسان آمناً على نفسه وماله‏.‏

د - وجود محرم بالنّسبة للمرأة أو رفقة مأمونة كما يقول بعض الفقهاء‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ ف 14 وما بعدها‏)‏‏.‏

القدرة في المعاملات

أوّلاً‏:‏ القدرة على تسليم المبيع

7 - ذهب الفقهاء إلى أنّ القدرة على تسليم المبيع من شروط صحّة البيع، لأنّ غير المقدور على تسليمه كالمعدوم، وتتحقّق القدرة على تسليم المبيع بأن يكون الإنسان مالكاً له متمكّناً من التّصرّف فيه وتسليمه للمشتري، ولذلك لا يصحّ بيع الطّير في الهواء، ولا السّمك في الماء، ولا الجمل الشّارد، ولا ما لا يملكه الإنسان‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع منهيّ عنه ف 32‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ القدرة على استيفاء المنفعة في الإجارة

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط في المنفعة لصحّة الإجارة القدرة على استيفائها حقيقةً أو شرعاً، وتتحقّق القدرة على استيفاء المنفعة من الشّيء المستأجر بالتّمكّن من الاستيفاء حقيقةً أو شرعاً، ولذلك لا تصحّ إجارة الدّابّة الفارّة، كما لا تصحّ إجارة الأقطع أو الأشلّ للخياطة بنفسه، لأنّها منافع لا تحدث إلاّ عند سلامة الأسباب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجارة ف 30‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ القدرة على أداء الدّين

9 - ذهب الفقهاء إلى وجوب أداء الدّين عند القدرة على الأداء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ ‏}‏‏.‏

وإذا كان الدّين حالاً فإنّه يجب أداؤه على الفور عند طلبه متى كان المدين قادراً على الأداء، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مطل الغنيّ ظلم» ويتحقّق المطل عند عدم الأداء بعد الطّلب‏.‏

أمّا إذا كان الدّين مؤجّلاً فلا يجب أداؤه قبل حلول الأجل، لكن لو أدّي قبله صحّ وسقط عن ذمّة المدين‏.‏

وإذا ماطل القادر ولم يؤدّ ما عليه من الدّين ألزمه الحاكم بالأداء بعد طلب الغرماء، فإذا امتنع حبسه الحاكم لظلمه بتأخير الحقّ من غير ضرورة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته»، والحبس عقوبة فإن لم يؤدّ وكان له مال ظاهر باعه الحاكم عليه لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «باع على معاذ ماله وقضى ديونه»‏.‏

وكذلك روي أنّ سيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه باع مال أسيفع وقسمه بين غرمائه‏.‏

وإذا لم يكن المدين قادراً على الأداء بأن كان معسراً أو أفلس، ففي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إعسار ف 15، وإفلاس ف 6‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ القدرة على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

10 - الأصل في ذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ‏}‏‏.‏

وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ القدرة أصل، وتكون في النّفس وتكون في البدن إن احتاج إلى النّهي عن المنكر بيده‏.‏

وقال الغزاليّ‏:‏ يجب قتال المقيمين على المعاصي المصرّين عليها، فإذا لم يستطع الإنسان ذلك فلينكر بلسانه، فإن خاف على نفسه أو على عضو من أعضائه أنكر بقلبه، ولا يسقط الإنكار بالقلب عن المكلّف باليد أو اللّسان أصلاً‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ف 5‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ القدرة على المحارب

11 - الحرابة من الكبائر، والمحاربون مفسدون في الأرض، وجزاؤهم هو ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ‏}‏‏.‏

ولكنّ هذه العقوبة إنّما تنفّذ فيهم إذا قدر عليهم الحاكم وتمكّن من القبض عليهم قبل أن يتوبوا ويأتوا معلنين توبتهم، ولذلك إذا تابوا قبل أن يقدر عليهم الحاكم سقطت العقوبة عنهم، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ‏}‏‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حرابة ف 24‏)‏‏.‏

سادساً القدرة على دفع الضّرر عن الغير

12 - من أمكنه إنقاذ شخص من الهلاك كمن كان معه طعام وكان غيره مضطرّاً إليه فالواجب عليه بذله له، وكذلك من وجد أعمى كاد أن يتردّى في بئر، أو وجد إنساناً كاد أن يغرق، فإنّ الواجب عليه إنقاذه متى كان قادراً على ذلك، حتّى لو كان في صلاة وجب قطعها لإنقاذ غيره من الهلاك‏.‏

فإن امتنع الإنسان من بذل الطّعام الزّائد عن حاجته، أو امتنع عن إنقاذ الغريق ونحوه، فإنّه يكون آثماً، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أيّما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمّة اللّه وذمّة رسوله»‏.‏

يقول الكاسانيّ‏:‏ من كان عنده ماء في أرض مملوكة له واضطرّ قوم إليه وخافوا الهلاك يقال له‏:‏ إمّا أن تأذن بالدّخول وإمّا أن تعطي بنفسك، فإن لم يعطهم ومنعهم من الدّخول فلهم أن يقاتلوه بالسّلاح ليأخذوا قدر ما يندفع به الهلاك، والأصل فيه ما روي أنّ قوماً وردوا ماءً فسألوا أهله أن يدلّوهم على البئر فأبوا، وسألوهم أن يعطوهم دلواً فأبوا، فقالوا لهم‏:‏ إنّ أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تقطع فأبوا، فذكروا ذلك لعمر رضي الله تعالى عنه فقال‏:‏ هلاّ وضعتم فيهم السّلاح‏.‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ دفع ضرر المسلمين فرض كفاية على الموسرين، ككسوة عار وإطعام جائع‏.‏

ويقول المالكيّة‏:‏ يضمن من ترك تخليص شيء معرّض للهلاك، من نفس أو مال، وسواء قدر على تخليصه بيده أو بلسانه أو جاهه فإنّه يضمن‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏ضمان‏)‏‏.‏

سابعاً‏:‏ القدرة على تربية المحضون

13 - يشترط فيمن تثبت له الحضانة أن يكون قادراً على صون الصّغير في خلقه وصحّته، ولذلك لا تثبت الحضانة للعاجز لكبر سنّ أو مرض يعوق عن ذلك، أو عاهة كالعمى والخرس والصّمم، أو كانت الحاضنة تخرج كثيراً لعمل أو غيره وتترك الولد ضائعاً‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏حضانة ف 14‏)‏‏.‏

قَدَرِيَّة

انظر‏:‏ فرق الأمّة‏.‏

قُدْس

انظر‏:‏ بيت المقدس‏.‏

قِدَم

انظر‏:‏ تقادم‏.‏

قُدْوة

انظر‏:‏ اقتداء‏.‏

الموسوعة الفقهية / نهاية الجزء الثاني والثلاثين